مفهوم التهرب الضريبي الأسباب- والآثار
يعد التهرب الضريبي من الظواهر العالمية، والتي تعتبر قديمة قدم ظهور الضريبة ذاتها، وترجع أهمية دراسة هذه الظاهرة إلى الأهمية التي تؤديها الضريبة في المجال المالي والاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي.
وعليه فإن التهرب الضريبي يترتب عليه انعكاسات سلبية بالغة الخطورة على الاقتصاد الوطني، ومن هنا بدأت معظم الأنظمة الضريبية في دول العالم المختلفة العمل على مكافحة هذه الظاهرة.
سنحاول فما يلي بيان مفهوم التهرب الضريبي وأسبابه وأساليبه فضلاً عن آثاره والفرق بينه وبين التجنب الضريبي.
مفهوم التهرب الضريبي:
عند تحصيل الضريبة، لا بد من تحديد الوعاء الضريبي ومن ثم تكليف دافع الضريبة بدفها بعد تحديد قيمتها، وعندها يصبح هذا الشخص مكلّف ضريبياً، ومن هنا يمكن فهم عملية التهرب الضريبي.
حيث يشير إلى قيام المكلّف بالضريبة بالامتناع عن دفعها كلاً أو جزءً باستخدام أساليب غير مشروعة وتنطوي على غش وخداع وسوء نية.
وتجرم جميع الدول هذه العملية، حيث يتعرض الضالعين فيها إلى المساءلة القانونية والعقوبة المدنية من خلال دفع الغرامات والجنائية من خلال السجن إلى مدد متفاوتة، وقد يتطور الأمر إلى توجيه تهم بغسيل الأموال للأشخاص الذين يقومون بالتهرب الضريبي، حيث يدعون بأنَّ هذه الأموال من مصادر شرعية ولا يمكن احتساب ضرائب عليها.
أسباب التهرب الضريبي:
قد يتساءل البعض عن الأسباب الدافعة لقيام البعض بالتهرب الضريبي، وهل السبب مادي فقط؟
في الواقع إن الأسباب التي تدفع البعض لذلك لا تتعلق بالأسباب المادية فقط، بل إن هناك عديد الأسباب التي تدفع البعض إلى عد الالتزام بدفع الضريبة المكلف بها من أهمها:
الأسباب النفسية المتعلقة بالمكلف:
في الواقع لا يزال الشعور الأخلاقي تجاه الالتزام بالضريبة ضعيفاً، وقد نجد أن في بعض المجتمعات أن المتهرب الضريبي من خلال الغش يعتبر سارقاً نزيهاً كونه يسرق الدولة.
ومن هنا يظهر الجانب الآخر من هذا السبب آلا وهو الوعي الضريبي لدى أفراد المجتمع عامة ولدى المكلفين ضريبياً بشكل خاص، ذلك أن الضريبة تعود بنفع عام على المجتمع وبالتالي فإن التهرب الضريبي إنما يشكل ضرر على المجتمع بشكل عام، ما يعني أن المتهرب من الضريبة إنما يسرق جميع أفراد المجتمع وليس الدولة.
ومن هنا نجد ضرورة زيادة الوعي الضريبي لدى أفراد المجتمع من خلال إبراز الفوائد التي تعود عليهم التزام الأفراد المكلفين بالضريبة وعدم التهرب الضريبي، حيث أن زيادة الوعي الضريبي يجعل من دفع الضريبة أمر محبب بالنسبة للأفراد لأنهم يعلمون حجم الفائدة غير المباشرة التي ستعود عليهم من جراء ذلك فيزاد دفع الضريبة طواعية ويخف التهرب الضريبي أو ينتفي.
اقرأ أيضاً مفهوم غسيل الأموال- المخاطر والأمثلة
الأسباب السياسية للتهرب الضريبي:
يرتبط الاستقرار السياسي بالاستقرار الاقتصادي داخل الدولة، الأمر الذي يعزز الالتزام بالضريبة، في حين أن انعدام أو اختلال الاستقرار السياسي ينعكس في زيادة التهرب الضريبي.
ذلك أن انعدام الاستقرار يولد إحساس لدى الأفراد بعدم قدرة السلطة على القيام بوظائفها، وبالتالي انعدام قدرتها على مطالبتهم بأداء التزاماتهم الضريبية، أو أن هذه السلطة غير قادرة على توفير متطلبات المجتمع التي يمكن تأمينها من الحصيلة الضريبية، نتيجة سوء إدارة هذه الحصيلة أو الفساد الحكومي.
ما يدفع الأفراد إلى التهرب الضريبي وعدم الالتزام بدفعها، حيث أن عدم الاستقرار السياسي يترافق مع زيادة نسبة التهرب الضريبي في المجتمع، لعدم ثقة الأفراد بقيام السلطات بالتوزيع العادل للدخل القومي أو الانفاق فيما لا يشكل أساسيات بالنسبة لأفراد المجتمع.
الأسباب الاقتصادية للتهرب الضريبي:
وهنا علينا أن نميز بين الأوضاع الاقتصادية للمكلف والأوضاع الاقتصادية العامة الدافعة للتهرب الضريبي.
حيث نجد زيادة ميل المكلف إلى التهرب الضريبي كلما زاد عبء الضريبة عليه في ظل سوء مركزه المالي وتردي حالته الاقتصادية الحالية والمتوقعة مستقبلاً.
من جهة أخرى نجد أنه في حال الكساد والأزمات التي تمر بالاقتصاد يزاد ميل الأفراد للتهرب الضريبي، ذلك أن ارتفاع تكاليف المعيشة وتدهور قيمة النقود يجعل من الصعب على المنتجين نقل العبء الضريبي، الأمر الذي يدفعهم للتهرب الضريبي باستخدام مختلف الأساليب الممكنة.
وبالمقابل نجد أنه في مترات الازدهار والرخاء الاقتصادي يتراجع ميل المكلفين عن التهرب الضريبة وذلك لتحسن الأوضاع الاقتصادية لهم وفي الاقتصاد بشكل عام وزيادة قدرتهم على نقل العبء الضريبي إلى الغير.
الأسباب التشريعية (وضع النظام الضريبي):
حيث يرتبط بهذا السبب عديد الجوانب منها ثقل العبء الضريبي في نظر المكلفين وعدم عدالة الضريبة، الأمر الذي يشجعهم على التهرب الضريبي، كما أن تعقيد إجراءات النظام الضريبي، بمعنى أن دفع الضريبة يتطلب تعقيدات وإجراءات وروتين وبيروقراطية كل ذلك يدفع باتجاه التهرب الضريبي من قبل المكلفين.
كما أن لضعف الجزاء المفروض على المتهرب الضريبي قد يكون بحد ذاته دافعاً للتهرب الضريبي، ذلك أن المتهرب يقارن الجزاء الذي سيتعرض له في حال اكتشاف أمره مع مبلغ الضريبة الواجبة عليه، ففي حال كان العقاب أقل وقعاً من الضريبة فإن ذلك يدفعه نحو التهرب الضريبي.
كما أن عدم استقرار التشريع الضريبي والتغيير المستمر في مواده يؤدي إلى غموض وعدم ثقة المكلفين ضريبياً بهذا النظام، ما يدفعهم إلى زيادة التهرب الضريبي، ومن جهة أخرى فإن ضعف الرقابة الضريبية قد يدفع الكثير من ضعاف النفوس من المكلفين ضريبياً باتجاه التهرب الضريبي.
أشكال وأساليب التهرب الضريبي:
هناك الكثير من الأساليب غير المشروعة التي يتبعها المكلف بغرض التهرب الضريبي نذكر منها:
- استغلال الثغرات في القانون الضريبي، من خلال الاستعانة بذوي الخبرة في هذا المجال لاكتشاف هذه الثغرات واستغلالها في عملية التهرب الضريبي، فعلى سبيل المثال يمكنه اكتشاف بعض الثغرات فيما يخص ضريبة الأرباح الصناعية والتجارية بالتوصل إلى إضفاء الصفة غير التجارية على نشاطه من وجهة النظر القانونية بالرغم من طبيعة نشاطه التجاري من الناحية الاقتصادية.
- عدم تقديم المكلف تصريح ضريبي عن نشاطه الخاضع للضريبة، أو تقديم تصريح غير حقيق وواقع عن نشاطه، كأن يذكر دخل أقل من الدخل الفعلي أو أن يذكر قيمة السلعة المستوردة بأقل من قيمتها الحقيقية للتهرب من الضريبة الجمركية على أساس القيمة.
- زيادة التكاليف الواجبة الخصم من الوعاء الضريبي، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض الأرباح الخاضعة للضريبة وبالتالي التهرب الضريبي بشكل جزئي.
- إخفاء أو تهريب الأموال الخاضعة للضريبة، بحيث يكون التهرب الضريبي كلياً، أو هروب المكلف خارج البلاد بعد تصفية أعماله وبالتالي يتعذر على السلطات الضريبية الحصول على الضريبة الواجبة السداد، وهذا ما شهدناه مع عدد من المشاهير ولا سيما لاعبي كرة القدم.
آثار التهرب الضريبي على الاقتصاد الوطني:
تعتبر الضريبة من الأدوات المالية التي تستند إليها السلطات المالية في الدولة للوصول إلى الأهداف المالية والاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي فإن عد الالتزام بواجب دفع الضريبة من خلال التهرب الضريبي يرتد بآثار سلبية على مجالات مختلفة كما في الآتي:
الآثار المالية للتهرب الضريبي:
يؤدي التهرب الضريبي إلى إضرار بالخزينة العامة للدولة من خلال انخفاض الحصيلة الضريبية اللازمة لقيام الدولة بواجباتها في جانب النفقات، الأمر الذي قد يؤدي إلى عجز في الموازنة العامة وما يستتبع ذلك من أساليب تمويلية لتغطية هذا العجز كالإصدار النقدي أو اللجوء إلى الاقتراض ما يعرض الاستقلال المالي للبلد للخطر ويعود بنتائج سلبية على جميع أقراد المجتمع.
الآثار الاقتصادية للتهرب الضريبي:
تظهر الآثار السلبية للتهرب الضريبي في الجانب الاقتصادي في أشكال مختلفة، منها ضعف الطاقة الادخارية للدولة ما يجعلها تعزف عن القيام بالمشاريع الاستثمارية الضخمة، فضلاً عن أن انخفاض الحصيلة الضريبية قد يمنع السلطات الضريبية من تقديم إعفاءات ضريبية للمشاريع الضرورية للاقتصاد الوطني، وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى تراجع حجم الاستثمار والاتجاه نحو ركود اقتصادي.
ومن جهة أخرى يؤدي التهرب الضريبي إلى عدم سيادة روح المنافسة الحقيقية بين المشروعات القائمة التي تلتزم بأداء الضريبة وتلك التي تتهرب من أدائها.
كما تظهر الآثار السلبية من خلال توجه المشاريع إلى تلك الأنواع التي يسهل فيها التهرب الضريبي أو إلى ما يعرف بالاقتصاد الموازي وبالتالي فإن ذلك يقود في نهاية الأمر إلى فشل السياسات الاقتصادية المرسومة وعدم الوصول إلى الاستقرار الاقتصادي المرجو.
الآثار الاجتماعية للتهرب الضريبي:
يؤدي التهرب الضريبي إلى ضعف روح التكافل والتضامن بين أبناء المجتمع الواحد، حيث يؤدي إلى حالة من عدم المساواة بين الملتزمين بأداء الضريبة وأولئك المتهربين، ما يعني عدم العدالة في توزيع العبء الضريبي مما يؤدي إلى فقدان الثقة من قبل أفراد المجتمع في تحقيق العدالة.
ومن جهة أخرى فإن ذلك يدفع السلطات الضريبية إلى زيادة معدلات الضريبة، مما يؤدي إلى زيادة أعباءها بشكل مضاعف على الملتزمين بأدائها، فضلاً عن تحوّل الضريبة نفسها إلى سبب من أسباب الافساد الأخلاقي من خلال قيام معظم الأفراد بالبحث عن أساليب غير مشروعة للتهرب الضريبي للتخلص من أعبائها المتزايدة.
للمزيد حول Tax Evasion
الفرق بين التهرب الضريبي والتجنب الضريبي:
كنا قد أشرنا إلى أن التهرب الضريبي هو اتباع أسليب غير شرعية بهدف عدم أداء الضريبة كلاً أو جزءً، ولكن ماذا لو كانت الأساليب المستخدمة هي أساليب شرعية وقانونية ولا تشكل جرماً؟
في الواقع فإن ذلك يسمى التجنّب الضريبي، حيث يتخلص المكلف القانوني من دفع الضريبة دون مخالفة لأحكام التشريع الضريبي القائم ويمكن ذلك من خلال عدة أساليب شرعية كما في الآتي:
حيث يمكن للمكلف تغير سلوكه بحيث يتجنب الضريبة التي يمكن أن تفرض عليه، كالامتناع عن استهلاك أو انتاج السلع التي تُفرض عليها ضريبة مرتفعة بقصد تفادي دفعها، أو تغيير النشاط إلى نشاط آخر خاضع لضريبة أقل.
ومن الأمثلة على ذلك التجنب هو ما يحصل في ضريبة التركات، حيث يلجأ المورث إلى تقسيم التركة على ورثته وهو على قيد الحياة من خلال الهبة تجنباً لضريبة التركات.
كما أن الضريبة التصاعدية التي قد تفرض على أرباح بعض الشركات قد يدفعها إلى تجزئة الشركة الأم إلى شركات فرعية بهدف تجنب الضريبة التصاعدية المرتفعة.
وبذلك نكون قد أوجزنا معظم الأفكار حول التهرب الضريبي وأساليبه وأسبابه وآثاره وبتنا نستطيع التمييز بين التهرب الضريبي والتجنب الضريبي.