بعد أن ضجت النشرات الإخبارية أخيراً بخبر إفلاس لبنان أصبح من المهم معرفة ماذا يعني إفلاس الدولة أثره وانعكاساته، ولعل خبر إفلاس جارنا الموظف قبل حلول النصف من الشهر أمر مفروغ منه، بسبب عدم وجود أي وارد مالي لديه عدا الوظيفة. كما يقال “لا ورائه ولا أمامه”، إفلاس الجار المسكين يعني أنه لم يبقى لديه أي نقود ليقوم بشراء حاجاته اليومية، وحتى سداد ديونه المتراكمة.
ولكن إفلاس دولة بحالها تملك موارد طبيعية ومالية ومخزونات احتياطية لعله أمر مستغرب نوعاً ما هل سيكون مشابهاً يا ترى لحالة إفلاس الفرد العادي؟. كيف يكون هذا الأمر من منطور اقتصادي؟، هذا ما سنتعرف عليه في مقالنا اليوم.
مفهوم إفلاس الدولة
الإفلاس يعني فشل الحكومة بالقيام بسداد ما عليها من مدفوعات وديون إضافة للفوائد المترتبة عليها عند استحقاقها.
في الحقيقة، يكون عدم سداد الديون لمستحقيها من الدائنين بشكل رسمي عن طريق إعلان يصدر عن الحكومة تعلن فيه عجزها عن سداد الدين. أو يكون الأمر بشكل غير علني دون أي إعلان رسمي من الحكومة.
اقتصادياً الإفلاس يكون بحدوث مشكلة في ميزان مدفوعات الشركة. فتصبح الدولة منهارة اقتصادياً في كل المجالات، سواء على صعيد العملة المحلية أو على صعيد عمل المصارف ككل.
أسباب إفلاس الدولة وانعكاساته
في الواقع إن إفلاس الدولة أثره وانعكاساته، يتعدى الحكومة ليشمل الشعب وكافة المنظومات في الدولة. وفيما يلي سنذكر بعض أسباب التي تسبب إفلاساً للدول:
- التغير في النظام الحاكم والانقلابات السياسية
حيث إن حدوث تغييرات في الحكومة ناشئة عن انقلابات عسكرية أو مشاكل أمنية، قد يؤدي بدوره إلى تشكل حكومات جديدة لا تأخذ بحسبانها ديون الحكومة السابقة. وبذلك تتبرأ من كل المشاكل المالية و تشكك بها إضافة لتوقفها عن سداد ما على الدولة من ديون.
- مشكلة نقص السيولة
تعتبر مشكلة السيولة المنخفضة من أحد الأسباب التي لها أثر في إفلاس الدولة. حيث ينشأ عن نقص السيولة عجز وتخلف عن سداد الديون و الفوائد المترتبة عليها، مما يعني أن الدولة غير قادرة على تسييل أصولها بسرعة.
- الإعسار
علاوة على ذلك، يُعد الإعسار الذي يعني أن البلد غير قادر على الوفاء بالتزاماته تجاه مستحقيها ودائماً ما يعاني من تقصير في السداد هو أحد أسباب إفلاس الدولة.
- أسباب أُخرى مختلفة نذكر منها
- الزيادات الكبيرة في مستويات الدين العام للدولة.
- عدم اتخاذ تدابير حكومية تساعد في سداد الديون المتمثلة بسياسة التقشف.
- زيادة مستوى البطالة في البلد يؤدي بدوره إلى زيادة الأعباء على الدولة، وبالتالي المساهمة في إفلاسها.
- أيضاً، تعتبر اللوائح الحكومية الكثيرة في الأسواق المالية من أحد الأسباب المؤدية للإفلاس.
دول عانت من مشكلة الإفلاس
من الجدير ذكره أن لبنان ليس الأول على لائحة الإفلاس فقد سبقه العديد من الدول، التي قامت بإعلان إفلاسها فيما مضى ومنها:
اليونان
حيث أن اليونان وخلال العقد الماضي قد عانى من مشكلة الإفلاس. ولكنه عاد للساحة الاقتصادية العالمية وانتعش مرة أخرى، وقد كلّفه ذلك القيام بإجراءات صعبة ليست بقليلة.
تمثلت الأزمة التي عانى منها اليونان، بالقروض الضخمة التي كان يقترضها. مما جعل الحكومة تقف عاجزة عن السداد، الأمر الذي كان يشكل تهديداً على العالم بحدوث أزمة مالية كبرى.
ولكن، وفي حلول عام 2020 طلبت اليونان المساعدة العاجلة من الإتحاد الأوربي وصندوق النقد الدولي. حتى تتمكن من سداد الفوائد المتراكمة عليها وأقساط الديون في الوقت المحدد لها.
علاوة على ذلك، وفي عام 2021 قامت البرازيل بإعلان إفلاسها وكان ذلك بسبب جائحة كورونا وما سببته من آثار وتداعيات اقتصادية.
وخلال القرنين الماضيين تم إعلان إفلاس ما يقارب نصف دول القارة الأوربية، و40% من دول إفريقيا، إضافة إلى 30% من دول قارة آسيا.
حيث كان من أبرز تلك الدول، الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، اليابان، المملكة المتحدة، والصين. حيث فشلت تلك الدول في سداد ديونها الداخلية والخارجية خلال القرنين الماضيين.
إفلاس الدولة أثره على المستوى المحلي
في الحقيقة، إن إفلاس الدولة له أثر وانعكاسات تختلف عن إفلاس الشركات. حيث لايمكن للمحكمة الدولية أن تصادر أصول وممتلكات الدولة لبيعها ودفع المستحقات للدائنين. كما هو الحال مع الشركات، حيث أن سيادة الدولة لا تسمح للقانون الدولي بتجاوزها.
بعد أن تقوم دولة بإعلان إفلاسها تحدث ضربة اقتصادية قوية على المستوى المحلي، حيث يتدافع المستثمرون وحاملي السندات إلى سحب أموالهم من حساباتهم المصرفية والقيام بتحويلها إلى خارج البلاد.
وبعض الدول قامت بفرض قيود على المستثمرين للحد من هذا الموضوع، وذلك عبر تقييد حركة رأس المال وإغلاق البنوك.
إفلاس الدولة أثره وانعكاساته على الفرد
إن الأفراد هم المتضرر الأكبر في حال تعرض دولتهم للإفلاس لما له من آثار تنعكس على المواطن منها:
- عجز الدولة عن دفع أجور ورواتب الموظفين.
- انتشار البطالة.
- ارتفاع مستويات الفقر، الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع في مستويات الجريمة.
- انتشار المجاعات، وانتشار الأوبئة.
- ارتفاع الأسعار الكبير بسبب انهيار العملة المحلية نتيجة الإفلاس.
- انهيار الدولة يؤدي إلى فقدان العديد من المواد الأساسية التي يحتاجها المواطن، مثال المشتقات النفطية وحليب الأطفال، إضافة إلى الأدوية.
في الختام، مما لاشك فيه أن إفلاس الدولة يعتبر ضربة اقتصادية موجعة للحكومات. ولكن التعافي ممكن وإن كان يحتاج لوقت وقوانين وتدابير صارمة لتعجيل عملية إعادة نهوض الدولة.
ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن نهوض الدولة الاقتصادي يعتمد بشكل أساسي على المواطن، بالتالي يجب على الحكومات أن تولي مواطنيها اهتماماً حتى يقدموا أفضل ما عندهم لحكوماتها، فالدول لا تنهض وتتعافى إلا بشعوبها.
