يعتبر مفهوم الفوركس من المفاهيم الأكثر انتشاراً في العالم في وقتنا الحاضر، حيث يعتبر سوق الفوركس شكل متقدم من أشكال تبادل العملات التي كانت تجري فيما مضى لتسهيل العمليات التجارية، في حين باتت اليوم تجارة بحد ذاتها يمكن من خلالها تحقيق الأرباح، حيث تطورت عمليات تداول العملات مع الزمن إلى الوقت الذي صار فيه التداول يتم بقصد الربح من فروق الأسعار وليس لتسهيل العمليات التجارية.
فما هو مفهوم الفوركس وكيف يتم تداول العملات فيه وماهي أساسيات التعامل فيه وما هي مميزات ومخاطر العمل في سوق الفوركس، سنحاول تبسيط هذه المفاهيم بالشكل الذي يمكنك عزيزي القارئ من فهم هذه المصطلحات والمفاهيم حتى وإن كنت من غير المختصين في هذا المجال.
مفهوم الفوركس وتاريخ النشأة:
عند الحديث عن مفهوم الفوركس أو المعروف أيضاً بسوق الصرف الأجنبي، لابد من إعطاء تعريف واضح ومحدد لسوق الفوركس بحيث يمكن من خلاله إدراك طبيعة هذه السوق.
فمفهوم الفوركس أو FOREX يعبر عن سوق صرف العملات الأجنبية أو Foreign Exchange Market، وهو سوق لا مركزي يتم فيه بيع وشراء العملات الأجنبية، الواحدة مقابل الأخرى مثل زوج اليورو مقابل الدولار الأمريكي (EURUSD).
وهو من أكبر أسواق المال في العالم، من حيث حجم المبادلات اليومية وعدد المتعاملين الذين يصلون إلى مئات الملايين من مستثمرين وبنوك وصناديق استثمار وحكومات، بغرض تحقيق الأرباح من خلال الاستفادة من فروق الأسعار بين العملات التي يتم تبادلها بيعاً وشراءً.
ولا شك أن للتطور التكنولوجي وتطور وسائل الاتصال الالكترونية وانتشار الانترنت دور هام جداً في تطور وانتشار مفهوم الفوركس، حيث بات المستثمر الفردي قادر على الدخول إلى هذه السوق والبدء باستثمار أمواله وتحقيق الأرباح.
وبالعودة إلى تاريخ نشأة مفهوم الفوركس، لابد من العودة إلى نشأة النقود ذاتها، حيث كان الأفراد قديماً يقومون بالتبادلات التجارية من خلال عمليات المقايضة أي سلعة مقابل سلعة، ولاحقاً لذلك ظهرت بعض السلع المقبولة قبول عام في التبادلات التجارية مثل جلود الحيوانات والأحجار الكريمة، لتصبح المعادن الثمينة مقبولة قبول عام يمكن من خلالها استبدالها بأي سلعة يُراد الحصول عليها.
من ثم ظهرت النقود في شكل مسكوكات من هذه المعادن (ذهب، فضة، نحاس)، ومع تطور العلاقات الاقتصادية وتطور المجتمعات ظهرت النقود الورقية بدلاً من تلك المعدنية، حيث بات إصدار النقود الورقية يعتمد على التغطية من هذه العملات، بمعنى أنه لا يمكن إصدار نقود ورقية غير مغطاة بالذهب.
واحقاً لذلك أصبحت بعض النقود الورقية تحمل ذات القوة للمعادن الثمينة وباتت تُستخدم في عمليات التغطية لإصدار النقود وعُرفت بالعملات الرئيسة (دولار أمريكي، جنيه إسترليني، فرنك سويسري، ين ياباني، واليورو مؤخراً)، حيث تعتبر هذه العملات مقبولة في المعاملات التجارية، ومن هنا ظهرت الحاجة إلى ضرورة تبادل عملات الدول الأخرى بهذه العملات بغرض إتمام المعاملات التجارية الدولية.
ومع تطور التكنولوجية والاتصالات وظهور الانترنت انتشر مفهوم الفوركس، ليصبح تبادل العملات يتم من خلال وسائل الاتصال هذه ولأغراض الربح دون وجود معاملات تجارية حقيقية خلف هذا التبادل، وذلك بغرض الاستفادة من فوراق الأسعار بين هذه العملات وتحقيق الأرباح.
للمزيد حول مفهوم الفوركس FOREX
حجم التداول في الفوركس:
إن انتشار مفهوم الفوركس بشكل كبير جعل منه أكبر أسواق المال في العالم، وقد ساهم عدم وجود منصة موحدة لتداول العملات وعدد المتعاملين في هذا الأمر، وبالتالي لا يمكن مقارنة حجم التداول والسيولة في سوق الفوركس بأي سوق آخر للأصول المالية في البورصات، حيث وصل حجم التداول في سوق الفوركس إلى ما يزيد عن 7.5 تريليون دولار أمريكي يومياً في عام 2022.
وبمقارنة بسيطة مع بورصة نيويورك NYSE والتي تعد أكبر أسواق الأسهم في العالم فقد كان حجم التداول اليومي فيها في عام 2022 لا يتجاوز 70 مليار دولار أمريكي، ويبدو الفارق الكبير بين السوقين.
ويعود حجم التداول الضخم في سوق الفوركس بشكل أساسي إلى حجم المتعاملين وتنوعهم، من أفراد مستثمرين إلى بن وصناديق استثمار وحكومات وشركات وبنوك استثمارية وبنوك مركزية وشركات الوساطة المالية ومتاجرين، ولتنوع أغراض هذا التعامل بين إتمام العمليات التجارية الدولية أو التحوط أو تحقيق الأرباح.
ولا شك أن للتطورات التكنولوجية ودورها في نشر مفهوم الفوركس أثر كبير في تسهيل دخول هؤلاء المتعاملين إلى سوق الفوركس وبالتالي المساهمة في زيادة حجم التداول فيها.
ومن العوامل التي ساهمت في انتشار مفهوم الفوركس وزيادة حجم التداول فيه، إمكانية استخدام الرافعة المالية في عمليات التداول وهو ما يجذب مزيد من المستثمرين الذين لا يملكون مبالغ كبيرة لاستثمارها في سوق الفوركس، حيث تقدم لهم الرافعات المالية إمكانية التداول باستخدام أسلوب الهامش بدلاً من دفع كامل قيمة الصفقة التي يرغبون بالدخول فيها.
ومن العوامل المهمة التي ساهمت في زيادة حجم وانتشار مفهوم الفوركس أيضاً أوقات وساعات التداول الممكنة.
اقرأ أيضا مفهوم غسيل الأموال المخاطر والأمثلة
أوقات التداول في سوق الفوركس:
إن كون سوق الفوركس سوق لامركزي دون وجود موقع جغرافي محدد كمركز للتداول، كون التداول يتم من خلال وسائل الاتصال الحديثة، ساهم بأن تكون أوقات وساعات التداول تختلف عن غيرها من أسواق الأوراق المالية والتي تكون محددة بساعات عمل البورصة التي يتم فيها التداول.
أما الفوركس فتجري فيه عمليات التداول 24/24 في اليوم وعلى مدار خمسة أيام في الأسبوع من يوم الاثنين وحتى يوم الجمعة في حين يتوقف التداول يومي السبت والأحد كعطلة نهاية الأسبوع.
ونتيجة لاختلاف التوقيت بين المناطق الجغرافية حول العالم فإن سوق الفوركس لا تغلق طوال اليوم، حيث يبدأ العمل فيها في استراليا عند الساعة 10 مساءً بتوقيت غرينتش، وما أن تغلق بورصة أسترالية أبوابها عند الساعة 7 صباحاً بتوقيت غرينتش حتى تبدأ البورصات الأوروبية في العمل ليستمر التداول في سوق الفوركس، وعندما تنتهي فترة عمل البورصات الأوربية تبدأ فترة عمل البورصات الآسيوية التي تنتهي مع بداية عمل بورصة نيويورك والتي لا ينتهي العمل فيها إلا مع بداية يوم جديد في أستراليا ليستمر التداول من جديد.
ومن هنا نلاحظ أن العمل في سوق الفوركس مستمر على مدار اليوم دون توقف مستفيداً من لا مركزية هذا السوق واختلاف التوقيت بين مراكز التداول حول العالم.
مميزات وعيوب سوق الفوركس:
يتميز مفهوم الفوركس بعدد من المميزات الذي يجعل من مفهومه جذاب للعديد من المستثمرين للاستثمار فيه يمكن بيانها بالآتي:
- حجم السيولة الكبير وكذلك حجم التداول العالي الذي يجعل من إمكانية تحقيق الأرباح أكبر
- أوقات التداول 24 ساعة 5 أيام في الأسبوع أي أنه يوفر لأي مستثمر الدخول إلى السوق في الوقت الذي يناسبه وعدم الالتزام بأوقات عمل البورصة كما هو الحال في بورصات الأسهم
- عدم مركزية الفوركس، حيث أنه يمكن لأي شخص حول العالم يملك انترنت وجهاز للولوج إلى شبكة الانترنت البدء بالاستثمار في سوق الفوركس.
- تطور وسائل الاتصال التي توفر إمكانية متابعة سوق الفوركس وحصر أخبار العملات ونتائج الصفقات القائمة لحظة بلحظة
- إمكانية تحقيق الربح من تداول العملات سواءً أثناء صعود أو هبوط أسعار هذه العملات، وذلك بعد توقع تحركاتها السعرية، حيث يمكن بدء عملية التداول بالشراء أولاً ثم البيع أو البيع أولاً من خلال اقتراض قيمة الصفقة ومن ثم الشراء وبالتالي، في حال تحقق التوقع لحركة الأسعار، تحقيق الأرباح في حال الصعود أو الهبوط لأسعار العملات
- الروافع المالية التي تسهل على المتعالين الدخول في الصفقات حتى في حال عدم امتلاك قيمة الصفقة كاملة من خلال ما يعرف بأسلوب الهامش.
وفي مقابل هذه المميزات فإن سوق الفوركس تعاني من عيوب لا يمكن إغفالها يمكن بيانها في الآتي:
- المخاطرة الكبيرة وخاصة في ظل التعامل بالرافعات المالية، ذلك أن الخسارة تكون كبيرة وأكبر من قدرة المتعامل على تحملها.
- نتيجة عدد المتعاملين الكبير وعمل سوق الفوركس على مدار الساعة، فإن حجم تقلبات الأسعار كبيرة ونشطة بشكل يتطلب المتابعة الدقيقة والمستمر عند الدخول في أي صفقة.
- وأخيراً وكون سوق الفوركس سوق لا مركزي فإنها تفتقد إلى الجانب التنظيمي والإشرافي كما هو الحال في بورصات الأدوات المالية الأخرى، والتي تعمل وفق قواعد وقوانين واضحة وصارمة.
العملات التي يتم تداولها في سوق الفوركس:
إن مفهوم سوق الفوركس يعني أنه يمكن تداول أي عملة حول العالم، وبالتالي فإنه لا يوجد عملات لا يمكن تداولها في سوق الفوركس، إلا أن أكبر التعاملات إنما تتم على عملات الدول الكبرى ومراكز القوى المالية حول العالم وبالتالي يمكن بيات أهم هذه العملات كما يلي:
الدولار الأمريكي USD واليورو EUR والجنيه الإسترليني GBP والين الياباني JPY والدولار الأسترالي AUD والدولار النيوزلندي NZD والدولار الكندي CAD والفرنك السويسري CHF.
حيث نلاحظ أن تسمية العملات تكون بثلاثة أحرف، الحرفين الأولين هما لاسم الدولة والحرف الأخير لاسم العملة.
ويتم تداول العملات بأزواج، بمعنى عملة مقابل أخرى، مثل زوج اليورو مقابل الدولار الأمريكي (EURUSD)، حيث يتكون الزوج من عملة الأساس والعملة المقابلة، وبالتالي ما يتوجب دفعه من العملة المقابلة للحصول على وحدة واحدة من عملة الأساس، وفي مثالنا فإن الزوج يورو دولار يعني ما يجب دفعه من الدولار للحصول على وحدة واحدة من اليورو.
وبذلك نكون قد وضعنا حجر الأساس لبناء كبير وعالم ضخم في مفهوم الفوركس وكيفية التعامل والتداول في هذا السوق، مع الإشارة إلى أن دخول عالم الفوركس يحتاج إلى فهم دقيق لمفاهيم هذا السوق ودراسة المؤشرات ومعرفة بالتحليل الأساسي والفني للوصل إلى القدرة على التنبؤ بحركات الأسعار ومن ثم تحقيق الأرباح.
