مفهوم غسيل الأموال- المخاطر والأمثلة
تعتبر عملية غسيل الأموال جريمة تابعة لجريمة أصلية، وتعدّ أمراً حاسماً لقيام أصحاب الجريمة المنظمة لإخفاء نشاطهم الإجرامي من خلال دمج الأموال غير الشرعية التي تم الحصول عليها من الأنشطة الإجرامية أو غير القانونية مع أموال ظاهرها شرعي، بحيث يصبح مصدر الأموال قانوني، وبالتالي التغطية على الجرائم الأصلية التي كانت مصدر للأموال.
وعليه تعتبر هذه العملية من أخطر العمليات الإجرامية كونها تسمح للجريمة المنظمة ورجالتها بالتوسع في أعمالهم والتورية على هذه الأعمال والاستمتاع بالأموال المتحصل عليها من تلك العمليات الإجرامية أو غير القانونية بالحد الأدنى، فما هو مفهوم غسيل الأموال وما آثاره السلبية أو المحاذير المترتبة عليها أو المخاطر المرتبطة بها وكيف تتم هذه العملية بالأمثلة.
مفهوم غسيل الأموال أو تبييض الأموال:
يعتبر مصطلح غسيل الأموال مرادف لمصطلح تبييض الأموال، وجاء هذان المصطلحان في الحقيقية من اختلاف الترجمات إلى اللغة العربية (Money laundering).
وقد تم تعريفها وفقاً لاتفاقية فيينا لمكافحة غسيل الأموال في المادة الثالثة لهذه الاتفاقية بأنها “تحويل الأموال أو نقلها مع العلم بأنها مستمدة من أيّة جريمة او جرائم، بهدف إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال أو قصد مساعدة أيَّ شخص متورَّط في ارتكاب مثل هذه الجريمة أو الجرائم على الإفلات من العواقب القانونية لأفعاله”.
وعملية غسيل الأموال قد تكون ضمن إطار محلي أي داخل البلد الواحد أو قد تكون عبر الحدود من خلال وسطاء ماليين متخصصين في مثل هذه العمليات.
ومن أشهر الجرائم الأصلية التي تتبعها عملية غسيل الأموال (تجارة المخدرات، تجارة الأسلحة، الاتجار بالبشر، شبكات الدعارة، تمويل الإرهاب، الاحتيال، الاختلاس، المقامرات غير القانونية).
اقرأ أيضاً: أهم نصائح بدء العمل الحر في مجال الكتابة
مراحل غسيل الأموال:
تعتبر عملية غسيل الأموال من العمليات المعقدة والتي تمر بعدة مراحل لضمان شرعية أموال العمليات الإجرامية التي كانت مصدر حقيقي لهذه الأموال، وعليه فهي تمر بثلاث مراحل أساسية كما في الآتي:
مرحلة الإحلال أو الإيداع (تحويل الأموال المرتبطة ارتباط مباشر بالجريمة):
وتمثل هذه المرحلة من عملية غسيل الأموال أخطر مرحلة بالنسبة لغاسلي الأموال كونهم يكونون عرضة لكشف أمرهم، حيث تتمثل هذه المرحلة بنقل الأموال المتحصل عليها بطريقة غير شرعية أو إجرامية إلى النظام المالي الشرعي.
وتلبي هذه المرحلة هدفين بالنسبة لصاحب الأموال غير المشروعة والذي يرغب بغسيلها، الأول هو إعفاء المجرم، الذي تحصّل على هذه الأموال بطريقة غير شرعية، من الاحتفاظ بكميات كبيرة من الأموال، أما الهدف الثاني يتمثل بنقل هذه الأموال إلى النظام المالي الشرعي.
ومن هنا تأتي خطورة هذه المرحلة على غاسلي الأموال كونها قد تثير الشبهات حولهم نتيجة نقل كميات كبيرة من الأموال إلى النظام المالي الشرعي.
التمويه (إخفاء والتستر على مسار حركة الأموال لإحباط الملاحقة والمتابعة):
وهي المرحلة الأكثر تعقيداً في مراحل غسيل الأموال، حيث يتم خلالها هيلة الأموال بمعنى فصل الأموال عن مصدرها الأساسي أي النشاط الإجرامي أو غير الشرعي.
وغالبا ما يستلزم الأمر في هذه المرحلة نقل الأموال (المُراد غسيلها) دولياً، من خلال عمليات مالية شديدة التعقيد بغرض إخفاء مسار حسابات هذه الأموال، وفصلها نهائياً عن مصدرها الأساسي غير الشرعي.
الاندماج (إتاحة الأموال للمجرم بعد غسيلها من مصادر تبدو مشروعة في ظاهرها):
وهي المرحلة الأخيرة من مراحل غسيل الأموال، حيث تعود الأموال إلى المجرم بعد إدخالها في النظام المالي المشروع، وبحيث تبدو أنها من مصادر مشروعة ليتمكن الجاني من التنعم بها دون مساءلة، حيث يمكنه استخدامها في توسيع نشاطاته الإجرامية والمشروعة بطريقة غير مكشوفة.
للمزيد حول Money Laundering
مخاطر غسيل الأموال (الآثار السلبية):
تؤدي عمليات غسيل الأموال إلى عديد الآثار السلبية منها المباشرة المرتبطة بالعملية نفسها ومنها غير المباشرة التي ترتبط بالعملية بالتعدي كون غسيل الأموال ليس جريمة أصيلة وإنما جريمة تابعة لجريمة أصلية تتمثل بالعمليات الإجرامية أو الأعمال غير الشرعية.
ويمكن بيان أهم هذه المخاطر أو الآثار السلبية لهذه العمليات بالآتي:
- الإضرار بمؤسسات القطاع المالي المتمثلة بالمصارف وشركات تحويل الأموال وشركات التأمين الضرورية لعملية النمو الاقتصادي في أي بلد تنتشر فيه عمليات غسيل الأموال.
- التشجيع على الفساد والجريمة من خلال عدم منع عمليات غسيل الأموال، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى بطء في النمو الاقتصادي.
- زيادة النشاط الإجرامي المتصل بتحصيل الأموال المراد غسيلها، كون عمليات الغسيل لا يتم مكافحتها، وما لذلك من زيادة العنف وتدمير المجتمع
- عدم استقرار رؤوس الأموال خلال مرحلة التمويه لغسيل الأموال، الأمر الذي يعطي مؤشرات سلبية في النظام المالي الوطني لعدم الاستقرار، وما يتبع ذلك من تشوهات اقتصادية هيكلية يصعب حلها.
- عدم حماية المشروعات الناشئة ذات مصادر التمويل الشرعية، لعدم قدرتها على مواجهة إمبراطوريات المال الناجمة من مصادر غير شرعية في حال رغبتها في دخول مجال نشاط تلك المشروعات.
- عدم استقرار الحاصل الضريبي الحكومي، كون المشروعات القائمة لتغطية عمليات غسيل الأموال لا تتصف بالاستمرارية.
- تشجيع بعض المؤسسات ذات المصدر الشرعي للدخول في عمليات غسيل الأموال لتحقيق مكاسب كبيرة في حال عدم مكافحتها من قبل السلطات الوطنية.
مكافحة غسيل الأموال أو تبييض الأموال:
نظراً للآثار السلبية المدمرة لعمليات غسيل الأموال على الاقتصاديات الوطنية من جهة والاقتصاد العالمي من جهة أخرى، فقد اقتضى ذلك تحرك دولي ومحلي من قبل مختلف الدول لمكافحة هذه العمليات.
ومن هنا جاءت اتفاقية الجريمة المنظمة بتجريم عمليات غسيل الأموال والدعوة إلى التعاون الدولي لمنع مثل هذه العمليات، حيث جاء في المادة السادسة منها بأنه تجرم كل دولة طرف غسيل الأموال. لا يسمح التجريم للسلطات الوطنية بتنظيم الكشف عن الجريمة وملاحقتها وقمعها فحسب، بل يوفر أيضا الأساس القانوني للتعاون الدولي بين الشرطة والولايات القضائية والإدارية، بما في ذلك المساعدة القانونية المتبادلة وتسليم المجرمين.
ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تمثل معاملات غسيل الأموال العالمية ما يقرب من 800 مليار دولار إلى 2 تريليون دولار سنوياً، أو حوالي 2٪ إلى 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، على الرغم من صعوبة تقدير الإجمالي بسبب الطبيعة السرية لهذه العمليات.
في عام 1989، شكلت مجموعة الدول السبع (G-7) لجنة دولية تسمى مجموعة العمل المالي (FATF) في محاولة لمكافحة غسيل الأموال على نطاق دولي. في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تم توسيع نطاق اختصاصه ليشمل مكافحة تمويل الإرهاب.
وفي وقتنا الحالي نجد أن جميع الدول أنشأت ما يعرف بوحدات استخباراتية مالية، أو هيئات لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
كما أن الهدف من عمليات المكافحة إنما يهدف إلى حرمان المجرمين من أرباح مشاريعهم غير المشروعة، وبالتالي القضاء على الدافع الرئيسي لهم للانخراط في مثل هذه الأنشطة الشائنة، نظراً لأن عائدات هذه الأنشطة يتم إضفاء الشرعية عليها عن طريق غسيل الأموال، فقد تؤدي مكافحة غسل الأموال إلى الحد من النشاط الإجرامي وبالتالي فائدة كبيرة للمجتمع.
أمثلة عن عمليات غسيل الأموال:
هناك عديد الأدوات والأساليب للقيام بمثل هذه العمليات والتي تساعد المجرمين على تغطية أموالهم المشروعة، حيث تتراوح هذه الأساليب من الأساليب التقليدية إلى الأساليب التكنولوجية الحديثة.
ومن الأمثلة على عمليات غسل الأموال التأجير العقاري، حيث يقوم بشراء العقار والبدء بتأجيره بحيث يتم إيداع الأموال غير المشروعة من الأنشطة الإجرامية في المصارف على أنها الأموال المتحصل عليها من عمليات التأجير.
انشاء مشروع يتم من خلاله البدء بالإنفاق من الأموال غير الشرعية، كأن يقوم تاجر مخدرات يرغب بشراء سيارة وغير قادر لسهولة اكتشاف حجم انفاقه وعدم تطابق هذا الحجم مع حجم أعماله المشروعة، فيقوم بإنشاء مغسل سيارات صغير يتم من خلاله إيداع الأموال الناتجة عن هذا المشروع في البنك، وتزوير الدفاتر المحاسبية لهذا المشروع بحيث يضاعف حجم أرباحه، ومن ثم يقوم بشراء السيارة مثلاً بشيك من حساب المغسلة في البنك.
شكل آخر شائع لغسيل الأموال في الكازينوهات هو شراء الرقائق من الكازينو نقداً، واستلام الشيكات مقابل الرقائق من الكازينو، غالباً دون لعب القمار على الإطلاق أو وضع حد أدنى من الرهانات.
بعض الأساليب الشائعة التي يستخدمها المجرمون لغسيل الأموال من خلال المعاملات العقارية تشمل التقليل من قيمة الممتلكات أو المبالغة في تقييمها، وشراء العقارات وبيعها في تتابع سريع، واستخدام أطراف ثالثة أو شركات تبعد المعاملة عن المصدر الإجرامي للأموال، والمبيعات الخاصة.
ومن الأساليب الحديثة حالياً هي العملات المشفرة، حيث باتت هذه الطريقة من أكثر الطرق المستخدمة في دفع الفديات في عمليات الخطف أو تمويل تجارة المخدرات، وهي من أساليب الدفع الالكتروني الشائعة التي يستخدمها الجمهور حول العالم في تنفيذ دفوعاتهم.
اقرأ أيضاً البنوك الإلكترونية وأهميتها | هل ستأخذ دور البنوك على أرض الواقع؟
وبالمحصلة فإن عمليات غسيل الأموال تتطلب عمليات مالية معقدة تتضمن نقل الأموال غير المشروعة في عديد الحسابات المصرفية لإدخالها ضمن النظام المالي ومنع تتبع حركات هذه الحسابات للوصول النهائي لصاحب النشاط الإجرامي بحيث يتمكن من الاستفادة من هذه الأموال كونها باتت مشروعة المصدر ولا وجود لصلة بينها وبين نشاطه الإجرامي الأصلي.